مركز غزة لحقوق الإنسان: 1700 شخص فقدوا الرؤية و5000 على حافة العمى جراء الحرب
مركز غزة لحقوق الإنسان: 1700 شخص فقدوا الرؤية و5000 على حافة العمى جراء الحرب
بين أنقاض المستشفيات وازدحام مراكز الإيواء، تتكشف في قطاع غزة مأساة إنسانية صامتة لا تقل قسوة عن مشاهد الدمار والقتل اليومي، حيث بات آلاف الغزيين مهددين بفقدان بصرهم، ليس بسبب أمراض نادرة أو ظروف طبية معقدة، بل نتيجة عجز كامل في القطاع الصحي عن تقديم أبسط خدمات علاج العيون، في حرب طالت لعامين تحولت أمراض يمكن علاجها بعملية بسيطة أو دواء متوفر إلى أحكام دائمة بالعمى، في ظل حصار خانق ونظام صحي منهار.
وبحسب بيان نشره مركز غزة لحقوق الإنسان اليوم الثلاثاء، فقد 1700 شخص بصرهم بشكل كامل منذ اندلاع الحرب على غزة، بينما يواجه نحو 5000 آخرين خطر فقدان البصر نتيجة التأخر في تلقي العلاج أو انعدام الإمكانيات الطبية، ويشير المركز إلى أن 2400 حالة تحتاج إلى تدخلات جراحية عاجلة في الخارج، إلا أنها لا تزال عالقة في قوائم انتظار مفتوحة بلا أفق، وسط قيود مشددة على السفر ومنع دخول المعدات الطبية.
هذه الأرقام لا تمثل مجرد إحصاءات جامدة، بل قصصاً إنسانية متراكمة، لأشخاص فقدوا قدرتهم على العمل، وأطفال حُرموا من رؤية العالم، وكبار سن وجدوا أنفسهم محاصرين في ظلام دائم.
انتظار تحول إلى مأساة
فاطمة صرصور، (فلسطينية تبلغ من العمر 70 عاما)، واحدة من آلاف الوجوه التي تختصر هذه المأساة، كانت تعاني من المياه البيضاء في العين، وهو مرض شائع يمكن علاجه بجراحة بسيطة في الظروف الطبيعية، تقول فاطمة إنها لم تكن تتخيل أن انتظارها الطويل لدورها في إجراء العملية سيتحول إلى فقدان دائم للبصر في إحدى عينيها.
تروي فاطمة أنها تنقلت بين أكثر من مستشفى في غزة، لكنها كانت تصطدم في كل مرة بالواقع نفسه غياب العدسات الخاصة، نقص الأجهزة الطبية، وانعدام القدرة على إجراء العمليات، وتضيف أن تدمير المستشفيات ومنع دخول المستلزمات الطبية حوّل مرضها القابل للعلاج إلى إعاقة دائمة، مؤكدة أن الألم النفسي الناتج عن فقدان البصر لا يقل قسوة عن الألم الجسدي.
تأتي مأساة مرضى العيون في سياق انهيار شامل للمنظومة الصحية في قطاع غزة، ووفق بيانات مكتب الإعلام الحكومي، خرج 34 مستشفى و80 مركزا صحيا عن الخدمة نتيجة القصف المباشر أو نقص الوقود والمستلزمات، وهذا الانهيار لم يستثنِ أي تخصص طبي، لكنه كان أكثر قسوة على الخدمات الدقيقة مثل طب وجراحة العيون، التي تعتمد على أجهزة متطورة وسلاسل إمداد مستمرة.
تداعيات إنسانية
غياب خدمات العيون لا يعني فقط فقدان البصر كحالة طبية، بل يمتد أثره إلى كل جوانب الحياة، المصابون بالعمى أو ضعف البصر يفقدون قدرتهم على العمل، ويصبحون معتمدين بشكل كامل على عائلاتهم، في مجتمع يعاني أصلا من الفقر والبطالة والنزوح، كما أن الأطفال المصابين يواجهون صعوبات مضاعفة في التعليم والنمو النفسي، ما ينذر بجيل يحمل إعاقات دائمة نتيجة الحرب.
ويحذر مختصون من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى زيادة أعداد المصابين بالعمى خلال السنوات المقبلة، حتى بعد توقف الحرب، بسبب تراكم الحالات غير المعالجة وغياب برامج التأهيل والعلاج اللاحق.
وترتبط أزمة العيون في غزة بشكل مباشر بالقيود المفروضة على إدخال المعدات الطبية والأدوية، إضافة إلى القيود على سفر المرضى للعلاج في الخارج، فالكثير من العمليات الجراحية المتقدمة لا يمكن إجراؤها داخل القطاع حتى في أفضل الظروف، ما يجعل تحويل المرضى إلى مستشفيات خارج غزة ضرورة ملحة، لكنها تصطدم بإجراءات معقدة وانتظار طويل قد يفقد خلاله المريض بصره نهائيا.
يعاني قطاع غزة منذ سنوات من حصار مشدد أثر بشكل عميق على النظام الصحي، إلا أن الحرب الأخيرة فاقمت الوضع إلى مستويات غير مسبوقة، فبحسب تقارير صحية وحقوقية، أدى القصف المتكرر ونقص الوقود وانقطاع الكهرباء ومنع دخول المستلزمات الطبية إلى انهيار شبه كامل للخدمات الصحية، وتعد خدمات العيون من أكثر القطاعات تضررا، لاعتمادها على أجهزة دقيقة ومواد مستهلكة يصعب تعويضها محليا، وفي ظل استمرار الحرب وتعثر جهود الإغاثة، يواجه آلاف الغزيين خطر العمى الدائم، في مأساة إنسانية مرشحة للتفاقم ما لم يتم فتح ممرات طبية آمنة وإعادة بناء القدرة التشغيلية للقطاع الصحي.











